ضيائيات


انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

ضيائيات
ضيائيات
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

القرآن الكريم

اذهب الى الأسفل

القرآن الكريم Empty القرآن الكريم

مُساهمة من طرف عمر الهرهوري الأحد يناير 28, 2018 8:47 am











الدّرس الثّامن: القرآن
تمهيد:
  لم يحظ نصّ أو حدث ثقافي في التّاريخ الإنساني قاطبة بعناية كتلك التي حظي بها القرآن الكريم، فلقد تلقّفه صاحبه بعجلة، شوقا وحرصا، ثمّ تلقّاه الجيل الأوّل حفظا في الصّدور، وتمثّلا في السّلوك، ثمّ جمعوه في مصحف، ثمّ على قراءة واحدة، ثمّ أعجموه، ثمّ فسّروه، وأوّلوه ليستنبطوا حكمه وأحكامه ومقاصده، ثمّ فلسفوه، ولا يزال قِبلة الباحثين، فحقّ فيه القول بأنّه مدار الحضارة الاسلاميّة ومديرها.
 ـ تعريف القرآن: I
1 ـ لغة:
      للجابري مدخل طريف إلى تعريف القرآن:" هل يحتاج القرآن إلى تعريف؟ " ، سؤال على غاية من البداهة لأنّ القرآن من عصر تنزيله إلى عصرنا الحالي لم يغب عن علم العلماء، وعن فكر المفكّرين... ورغم بداهة الإجابات عن سؤال كون القرآن وتكوّنه، فإنّ الخوض فيه يفتح الذّهن على دلالات حضاريّة جديرة بالتّأمّل. وللعلماء مذهبان في تعريف القرآن، فمنهم من اعتبره مشتقا من فعل قرأ:" تقول قرأته قُرْءا وقراءة وقرآنا ... سمّي به المقروء تسمية للمفعول بالمصدر" . وهو رأي الطّبري:" والواجب أن يكون ... مصدرا من قول القائل: قرأت" ، وقيل " هو وصف على وزن فُعلان مشتقّ من القُرء بمعنى الجمع" .
        ومنهم من قال بأنّه "اسم علم غير مشتقّ خاص بكلام الله"  المنزّل على الرّسول صلّى الله عليه وسلّم، وأضافوا بأنّه تعريب لكلمة قريانا "qeryana" السّريانيّة التي كانت تطلق على قراءة كتابهم المقدّس بنفس معنى القراءة الدّوريّة عندنا. ولا إشكال في أن تكون كلمة "القرآن" مشتقة من القٌرء بمعنى الجمع، أو من فعل قرأ، وفي أن نعترف باحتمال أن تكون من أصل سريانيّ ما دام القرآن نفسه قد وظّف كلمات ليست عربيّة، حتّى قال الطّبري :" في القرآن من كل لسان" ، ونثير هذا المعطى ببعض توسّع في عنصر الأحرف السّبع.
كما ذكر الجابري أنّ أول ورود للفظ القرآن كان في سورة البروج، "ورتبتها 27" ، في الآية: (بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَّجِيدٌ.)  ، وجعلها السّيوطي : في المرتبة الرّابعة والعشرين، وقول الجابري مردود برأي علماء محقّقين، أعلم منه بالقرآن وبعلومه، حيث اعتبر الزّركشي أنّ سورة المزمّل هي ثالثة السّور من حيث ترتيبُ النّزول ، وفيها الآية:" ورتّل القرآن ترتيلا" ، وهو نفس موقف الشّيخ محمد عزه دروزة  ، ورأي ابن عاشور في التّحرير والتّنوير من رأيهما، ومع ذلك فنحن لا نعلم على وجه اليقين الاسم الذي تداولته جماعة المؤمنين قبل  نزول سورة المزمّل أو البروج، ممّا يثبت بساطة هذا الحدث الرّبّاني، وترفّعه عن التّعقيد، وعن صور الجاهزيّة، والقولبة، والنّمذجة. وأيّا كان تاريخ "حديث القرآن عن نفسه" ، فإنّه قد شكّل حدثا ثقافيّا تعتع السّائد، وتميّز عنه، وجدّد جهازه المفاهيمي، وذلك من مقتضيات التّأسيس الثّقافي، خصوصا وأنّ العرب كانوا "عبدة البيان، قبل أن يكونوا عبدة الأوثان" ، فلقد قدّم القرآن نفسه للعرب مشروع تغيير شامل كما في قول الجاحظ: "سمّى الله كتابه اسما مخالفا لما سمّى العرب به كلامهم على الجُمل والتّفصيل، سمّى جملته قرآنا، كما سمّوا ديوانا، وبعضه سورة كقصيدة، وبعضها آية كالبيت وآخرها فاصلة كقافية" .
2  ـ تعريف القرآن اصطلاحا:
      القرآن الكريم هو "كلام الله المُنزَل على مُحمد صلّى الله عليه وسلّم، المُتعبَّد بتلاوته، المَنقول بالتّواتر، والمَبدوء بسورة الفاتحة، والمَختوم بسورة النّاس"، وزاد الجرجاني: "نقلا متواترا بلا شبهة". وهذا أكمل التّعاريف فقد وصفه بأنّه "كلام الله"، لينفي عنه أيّ بُعد بشريّ في مستوى صياغته، وخصّ به محمّدا صلّى الله عليه وسلّم تمييزا له عن كلام إلهي أنزل على أنبياء سابقين، وسمّى وظيفته "تعبّدا"، لفصله عن أحاديث (قدسيّة / نبويّة) لا تعبّد بها، ونفى عنه التّزيّد وهو مراد الجرجاني، ثمّ ذكر بدقّة محتواه "من سورة الفاتحة إلى سورة النّاس" وما بينهما، إشارة إلى المصحف العثماني الذي لا مصحف سواه حاليا.
3  ـ أسماء القرآن وصفاته:
       لم تقف الثّورة المفاهيميّة التي أعلنها القرآن عند مستوى تسمية نفسه اسما لم تعهده العرب، يقول أبو زيد:" إنّ النّصّ في إطلاقه هذا الاسم على نفسه ينتسب إلى الثّقافة التي تشكّل من خلالها، ولكنّه في الوقت نفسه يفرض تميّزه عنها باختيار هذا الاسم غير المألوف تماما من حيث صيغته وبناؤه" ،بل إنّه قد زاد على ذلك فأتبعه بـ " خمس وخمسين اسما وصفة" ، منها:
ـ التنزيل: قال تعالى: "وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ."  
ـ الكتاب: قال تعالى: "تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ" ـ
ـ الوحي: قال تعالى: "إِنَّمَا أُنذِرُكُمْ بِالْوَحْيِ"  .
ـ الكريم: قال تعالى: "إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ"  .
ـ المجيد: قال تعالى: "بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ" .
ـ الحقّ: قال تعالى: "إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ"  .
ـ النور: قال تعالى: "وَأَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُوراً مُبِيناً"  .
وهكذا فإنّ القرآن :"... استحضر ثروته اللّفظيّة الخاصّة، وأنشأها إنشاء بطريقة فجائيّة وغريبة" .
3ـ تعريف القرآن إحصائيا:
يضمّ القرآن أربعة عشر ومائة سورة (114)، تتوزّع سور القرآن الكريم على ثلاثين جزءا (30). وفي كلّ جزء حزبان، فيكون مجموع الأحزاب ستين حزبا (60). ومنن دارسي القرآن المعاصرين من استفاد من المعلوماتيّة فانتهى إلى ما يعرف حديثا بـ"الاعجاز العددي" أو "الاعجاز الرّقمي" في القرآن، وهو إعجاز جدير بالتّأمّل وبالتّحقيق فيه حتى لا يكون التّسليم به مدخلا لمغالطات أو شاغلا عن التوجّه نحو مقاصده.
ومن عجيب ما انتهوا إليه من حسابهم للعدد 19 ومضاعفاته في القرآن الكريم:
 عدد سور القرآن 114 سورة، من مضاعفات الرقم 19، وتتكوّن الآية التي تحدّى الله بها الانس والجن من 19 كلمة: (قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْأِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً)، وعدد حروفها 76 من مضاعفات 19، وعدد حروفها الأبجدية هو 19، والمجموع هو 114 عدد سور القرآن.  
 أول آية في القرآن هي (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) عدد حروفها هو 19 حرفاً، أول كلمة فيها هي (بسم) وقد تكررت في القرآن كله 134 مرة، وآخر كلمة فيها هي (الرحيم) وقد تكررت في القرآن كله 227 مرة، ومجموع تكرار أول كلمة وآخر كلمة في هذه الآية هو 361، وهذا العدد يساوي بالتمام والكمال 19×19.
 عدد حروف القاف في سورة (ق) هو 57 حرفاً، من مضاعفات 19...
* ومن عجيب ما انتهوا إليه من حسابهم للعدد 7 ومضاعفاته في القرآن الكريم أيضا:
 الرقم 7 هو أول رقم ذُكر في القرآن، في قوله تعالى: (فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ)، وآخر مرة ورد فيها الرقم 7 في قوله: (وَبَنَيْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعاً شِدَاداً)، عدد الآيات من الآية الأولى وحتى الأخيرة هو 5649، وعدد السور هو 77، وكلا العددين من مضاعفات السبعة.  
 عدد السماوات 7، وقد تكررت عبارتا (سبع سماوات) و(السماوات السبع) في القرآن 7 مرات بعدد هذه السماوات.
 مجموع كلمات أول آية وآخر آية في القرآن هو سبع كلمات، ومجموع كلمات أول سورة وآخر سورة في القرآن هو 49 أي 7 × 7.
ومن عجيب ما انتهوا إليه من الوقوف على التّناغم الحسابي في القرآن الكريم:
     * "الدنيا" وردت 115 مرة مقابل 115 مرة ل "الأخرة".
     * "الحياة" وردت 145 مرة مقابل 145 مرة ل "الموت".
    * "النفع" وردت 50 مرة مقابل 50 مرة ل "الضر".
    * "مصيبة" وردت 75 مرة مقابل 75 مرة ل "الشكر".
4 ـ نزول القرآن وتنزّله:
ميّزت آيات القرآن الكريم بين ثلاثة أطوار:
     أـ كونه مكتوبا في اللوح المحفوظ: أشارت إلى ذلك الآية: "بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ. في لوح محفوظ" ، وهي الآية الوحيدة المخبرة عن هذا الطّور، ولم يرد في القرآن ما يبيّن اللغة التي كتب بها في اللّوح المحفوظ، ونوع الكتابة إن كانت باللّغة والكلمات والحروف المتداولة بيننا، أم كانت كتابة نفسيّة من طبيعة غيبيّة مفارقة، وهذا الاحتمال تؤكّده حالة الإجهاد النّفسي والجسدي التي كان يجدها الرّسول صلّى الله عليه وسلّم عند تلقّيه من جبريل، قال تعالى:" إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا" .
    ب ـ إنزاله دفعة إلى السّماء الدّنيا: أشارت إلى ذلك آيات منها:" ِإِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ " ، وعيّنت اللّيلة المباركة " إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ" ،
وسمّت أيضا الشّهر الذي فيه ليلة القدر"شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ" ، وهذا النّزول دفعة واحدة يدلّ على "تفخيم لأمره، وأمر من نزل عليه" ؟
    ج ـ نزوله منجّما: المراد تفريقه على مدى ثلاث وعشرين سنة، وقيل خمسة وعشرين سنة، وشذّ الواحدي بقول لم ينسبه لقائل:" أنزل عليه بمكّة ثماني سنين قبل أن يهاجر، وبالمدينة عشر سنين" . والاختلاف في ضبط هذه المُدد من قبيل ما لا ينفع العلم به، ولا يضر الجهل به، لأنّ الجدير بالبحث والاهتمام القرآن نفسه، والحكم من تفريقه على أكثر من عقدين، قال تعالى:" وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَىٰ مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنزِيلًا" .
5 ـ الحكمة من تنجيمه:
تحصر الذّهنيّة التّقليديّة الحكم من تنجيم القرآن في المعاني التّالية:
أ ـ  تثبيت فؤاد الرّسول صلّى الله عليه وسلّم في مختلف مراحل الدّعوة، وشدّ أزره في مواجهة مكذّبيه، قال تعالى: " كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلًا" .
ب ـ  التّدرّج في التّشريع، وذلك بإكساب التّغيير في المنوال الاجتماعي والاقتصادي والسّياسي والأخلاقي مرونة من شأنها أن تيسّر عمليّات التّغيير المتلاحقة في تلك البنى الرّاسخة، والمتداخلة، ويدخل في هذه الحكمة تشريع النّسخ في أحكام القرآن وتشريعاته.
ج ـ مساعدة الرّسول صلّى الله عليه وسلّم على حفظه، قال تعالى:" وَلا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً"   .
 د ـ إثبات إعجازه وأنّه ليس من صنع بشر، قال تعالى:" أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّثْلِهِ وَادْعُواْ مَنِ اسْتَطَعْتُم مِّن دُونِ اللّهِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ" .
        إنّ كل هذه الحكم مبلّغة إلى القصد من ذِكْرِهَا، ولكنّها لا تتكرّر في الزّمان، والإصرار على إعادة إنتاجها دليل على أنّ العقل الإسلامي يراوح مكانه، أو يقرأ الظّاهرة القرآنيّة في عصرها، في حين أنّنا في حاجة أوكد إلى أن نجعلها معاصرة لنا بنفس القدر وأكثر، لنراه إمامنا وسراجنا ونبعنا الدّافق في عصر يموج مخاطر وتحدّيات مختلفة عن تلك التي شهدها عصر التّنزّل، وأشدّ وطأة. إنّ التّنجيم درس عظيم يقدّمه القرآن لقرّائه ولدارسيه، ويتمثّل في تنازله ـ وهو المقدّس ـ عن كل معاني الاسقاط، والتّعالي، والفوقيّة، والانغلاق، واللاتاريخيّة... إنّه نصّ منفتح، تفاعلي، حواري... نصّ جاهز للتّعديل أو ما سمّاه العلماء "النّسخ" استجابة لحال المخاطبين، ولإكراهات واقعهم، نصّ يأخذ من الواقع ويعطيه، يؤثّر فيه ويتأثّر به... يقول مالك بن نبيّ:" فالحركة التّاريخيّة والاجتماعيّة والرّوحيّة التي نهض بأعبائها الإسلام لا سرّ لها إلا في هذا التّنجيم" . والسّرّ المقصود عند ابن نبي هو صون مصالح المسلمين أساسا، وهي مراد الزمخشري من قوله:" الحمد لله الذي أنزل القرآن كلاما مؤلّفا منظّما، ونزّله بحسب المصالح منجّما."
       هذه هي الحكمة العظيمة من التّنجيم والتي طمرتها الذّهنيّة التّقليديّة تحت ركام "لامعقولها"، أو مرّت عليها مرورا عابرا، وفيم يخدم المسلم المعاصر خبر أنّ نبيّه عليه أفضل الصّلاة وأزكى التّسليم قد لقي عناية خاصّة من ربّه؟ أو أنّ التّنزّل على مدى أكثر من عقدين من الزّمن فيه تحدّ صارخ لعمرو بن هشام وللوليد بن المغيرة وغيرهما... وهل في المعاني السّابقة ما نظّم واقعا، أو حرّر عقلا، أو رسم منهجا، أو حدّد أولويّات ومطايا...؟
II ـ تدوين القرآن الكريم وجمعه:
نميّز بين حدثين يخصّان القرآن وهما التّدوين بمعنى الكتابة، والجمع وله معنى أوسع من مجرّد الكتابة.
 1 ـ تدوين القرآن الكريم:
 يطلق "التّدوين" على كتابة القرآن فور نزوله، وقد اتّخذ صلّى الله عليه وسلّم كتبة من الصّحابة رضي الله عنهم منهم "عثمان وعلي وزيد وأبي وابن مسعود " ... وقد دوّن على ما تيسّر من محامل مثل:" العُسُب  واللِّخافِ " ، والرِّقاعِ ، وقطع الأَدِيم ، والأضلاع  ... وعلى بساطتها فقد عضّدت حفظه في الصّدور وعند التّطبيق، عن ابن مسعود:" كان الرّجل منّا إذا تعلّم عشر آيات لم يجاوزهنّ حتى يعرف معانيهنّ، والعمل بهنّ" .
وقد قبض الرّسول صلّى الله عليه وسلّم وجميع القرآن مدوّن على محامل مفرّقة، ومحفوظ في صدور الصّحابة.
2 ـ جمع القرآن في عهد أبي بكر رضي الله عنه:
           روى البخاري قول أبي بكر رضي الله عنه إثر موقعة اليمامة :" إنّ عمر بن الخطّاب أتاني، فقال: إنّ القتل قد استحرّ بقرّاء القرآن، وإنّي أخشى أن يستحرّ القتل بالقرّاء في المواطن فيذهب كثير من القرآن، وإنّي أرى أن تأمر بجمع القرآن، فقلت لعمر: كيف تفعل شيئا لم يفعله رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ؟ قال عمر: هذا والله خير فلم يزل عمر يراجعني حتّى شرح الله صدري لذلك ورأيت في ذلك الذي رأى عمر".
            دعا أبو بكر رضي الله عنه الصّحابي زيد بن ثابت رضي الله عنه للقيام بمهمّة الجمع، وروى البخاري قوله:" فوالله لو كلّفوني نقل جبل من الجبال ما كان أثقل عليّ ممّا أمرني به من جمع القرآن"  ، وكتب زيد القرآن في مصحف واحد معتمدا  مقارنة بين المكتوب في السّطور والمحفوظ في الصّدور، وسلّم المصحف في نسخته النّهائيّة إلى أبي بكر رضي الله عنه ، ثمّ انتقل منه إلى عمر رضي الله عنه بعده، وتركه عمر عند ابنته حفصة، وقد سمّي جمع أبي بكر رضي الله عنه بالجمع الأوّل تمييزا له عن الجمع الثّاني في عهد  عثمان بن عفّان رضي الله عنه.
           لقد كان "التّردّد" و"الخوف" سمة مميّزة للجمع الأول، حيث تردّد أبو بكر رضي الله عنه في قبول اقتراح عمر رضي الله عنه، وتردّد زيد لمّا عرض عليه أبو بكر الأمر، وقدّم المؤرّخون تبريرات ضعيفة للتّردّد، كالقول مثلا بأنّ الرّسول صلّى الله عليه وسلّم لم يقدم على ذلك، أو لخوف زيد من سهو أو خطأ. ونحن نرجّح أنّ أبا بكر وزيدا قد أحسّا بحدسهما الثّاقب أنّ المسألة ليست مخيفة من زاوية عدم قيام الرّسول صلّى الله عليه وسلّم بها كما في رواية البخاري  وابن كثير ، لأنّ الصّحابة وعلى رأسهم أبو بكر قد حسموا أمر السّلطة في سقيفة بني ساعدة، وأسّسوا لمشروعيّة القرشيّة في الحكم بقول أبي بكر: "لا يزال هذا الأمر في قريش ما بقي منهم اثنان"  . ولم يتردّدوا في السّلطة تردّدهم في الجمع.
           لقد وعى المتردّدان بأنّ الأمّة توشك أن تنقل وحيها من قرآن يحفظ منه ما تيسّر، ويتعبّد به قدر الطّاقة، إلى كتاب له سلطة ثقافيّة، وسلطة مرجعيّة محكّمة في كل شأن، أو هي ثنائيّة:" سلطة الكتاب و...سلطة العقل" ، التي سيطرت منذ القرن الثّاني هجريّة على المشهد الثّقافي الإسلامي.
3 ـ جمع القرآن في عهد عثمان رضي الله عنه:
        روى البخاري:" أنّ حذيفة بن اليمان قدِم إلى عثمان بن عفّان رضي الله عنه وكان يغازي أهل الشّام في فتح أرمينية وأذربيجان مع أهل العراق، فأفزعه اختلافهم في القراءة. فقال لعثمان: يا أمير المؤمنين، أدرك هذه الأمّة قبل أن يختلفوا في الكتاب اختلاف اليهود والنّصارى" ، فشكّل عثمان رضي الله عنه لجنة رباعيّة برئاسة زيد بن ثابت، وبعضويّة عبد الله بن الزّبيّر، وسعيد بن العاص، وعبد الرحمان بن الحارث، وعهد إليهم كتابة مصاحف على قراءة واحدة، وأمر بحرق ما سوى ذلك، " وقال عثمان للرّهط الثلاثة إذا اختلفتم أنتم وزيد بن ثابت في شيء من القرآن فاكتبوه بلسان قريش، فإنّما نزل بلسانهم" .  وطلب عثمان من حفصة أن تمدّه بنسخة القرآن التي كانت بحوزتها، ووعدها بأن يعيدها إليه بعد فراغ اللجنة من عملها، ففعلت، ووفّى بوعده، ولكن يذكر ابن كثير أنّ مصحف "حفصة" قد أحرقه مروان بن الحكم ، الحاكم الأموي الرّابع، وابن عمّ عثمان.
4 ـ دلالات جمع القرآن وأبعادها:
    نحن بإزاء محطّتين فارقتين في مسار تشكّل الظّاهرة القرآنيّة وجّهتا بشكل جذري الثّقافة الاسلاميّة، بل والتّاريخ الإسلامي، فإذا كان الجمع الأول قد حفظ الوحي في محمل ورقي واحد يسمّى مصحفا، فإنّ الجمع الثّاني كان أبعث على التّحفّظ، وأدعى إلى التّحوّط، وأحرى بتجذير الخلاف بين علماء الأمّة وقادتها، لأنّه إلغاء لتعدّد قراءات موحى بها، حتّى قال الباقلاني:" ... قال الله تعالىSad قرآنا عربيّا)، ولم يقل: قرشيّا" ، وعقد لطعون الطّاعنين فصلا في كتابه الانتصار، ووسمه:" فيما اعترض به أهل الفساد على مصحف عثمان وردّ شبههم"  وعدَدُ الطّعون فيه ـ بصرف النّظر عن موقفه منها ـ يُصوّر حجم التّحفّظ على ما أقدم عليه "ذو النّورين" ، الرّجل "الذي تستحي منه الملائكة" .
          إنّ عمليتي الجمع قد وجّههما الخوف، الخوف من ضياعه في عهد أبي بكر، والخوف من الاختلاف في عهد عثمان، ولا يمكن لعامل وحيد أن يحرّك عمليّتين بهذه الأهمّيّة والخطورة. فالدّولة النّاشئة على شعار العصبيّة القرشيّة تحتاج سندا دينيّا لقيامها ولتسييرها، وتحتاج لاحتواء الأصوات المعارضة حدثا ثقافيّا تشرئبّ له الأعناق، وتشدّ له الرّحال... وإذا كان مقصد عثمان من إقصاء قراءات موحى بها دفعا لتفرّق الأمّة، فإنّ على العكس من ذلك تماما كان انقسامها أسرع من خوفه، و كان تفرّقها أعمق واستمرّ يسم مشهدها الحضاري إلى يومنا، وعليه فإنّ تغليب اللّهجة القرشيّة هي الجرعة الثّانية لتثبيت السّلطة القرشيّة مع إضافة جديدة تتمثّل في حصرها في بيت واحد من قريش، هو بيت بني أميّة، أخبر ابن كثير عن مآل غنائم جيش الفتح العربي من إفريقية، فقال: "... فأطلقها كلّها عثمان في يوم واحد لآل الحكم ويقال لآل مروان" .
        وروى ابن كثير:" عن سنة (27ه ) أيضا:" وفيها عزل عثمان عمرو بن العاص عن مصر وولّى عليها عبد الله بن أبي سرح ـ وكان أخا عثمان لأمّه... " ، بل وحاول ـ بلغتنا المعاصرة ـ إسكات معارضي توجّهه فروى ابن كثير:" وفي هذه السّنة (29هـ) وقع بين معاوية وأبي ذرّ بالشّام، وذلك أنّ أبا ذرّ أنكر على معاوية بعض الأمور، وكان ينكر على من يقتني مالا من الأغنياء ويمنع أن يدّخر فوق القوت، ويوجب أن يتصدّق بالفضل... فينهاه معاوية عن إشاعة ذلك فلا يمتنع، فبعث يشكوه إلى عثمان، فكتب عثمان إلى أبي ذر أن يَقدم عليه المدينة. فقدمها فلامه عثمان على بعض ما صدر منه، واسترجعه فلم يرجع فأمره بالمقام في الرّبذة ـ ، ويسمّى ذلك في معجمنا المعاصر نفيا أو إقامة جبريّة ـ   وفعل الأمر نفسه بعبد الله ابن مسعود، لمّا اعترض على حرق المصاحف، و"حاصره اقتصاديّا" بمنع عطاء كان يُصرف له من بيت المال، قال ابن كثير:" وكان قد تركه سنتين".
             إنّ تمكين بني أميّة ـ القبيلة القرشيّة الكنايّة ـ  في السّلطة له رافد سياسي بتعيينهم قادة، وله رافد أمني بقمع معارضيه، وله رافد ثقافي بإعلان لهجة قريش لغة القرآن الوحيدة، رغم اقتناعنا بأنّ لهجة قريش كانت رائدة حتى قبل الإسلام، لأنّ العرب كانت تتّخذها لغة الشّعر ولغة التّجارة. روى التّوحيدي أنّ أبا سفيان بن حرب شقيق "حمّالة الحطب" : "رُؤِيَ... وقد وقف على قبر حمزة، وقال:" رحمك الله يا أبا عمارة لقد قاتلتنا على أمر صار إلينا" . إنّ أبا سفيان لم يقل: رحمك الله يا أبا عمارة على نعمة الإسلام التي استشهدت في نشرها، بل قال على "أمر صار إلينا"، وهو وبنوه ينعمون بخير سلطة بناها الإسلام...  ولمن أراد توسّعا في جمع أخبار ثروات بني أميّة، وثروات الموالين لهم من فليقرأ: "مروج الذّهب وجواهر المعدن". للمسعودي أو طبقات ابن سعد.
         إنّ التّوجّه نحو جمع الكتاب الواحد، وعلى القراءة الواحدة، وشرعنة سلطة القبيلة الواحدة، والتّرويج للفرقة الواحدة النّاجية... عناوين حلم وحدة لم تتحقّق، وأمل في شمل ما زاده التّوجه نحو الواحد إلا تعدّدا وتشظّيا وتجزّءا... لأنّ الواحد والتّوحيد والوحدانيّة من مجال الله، وإنّما البشر قد فطروا على التّنوّع والاختلاف والمغايرة والفرادة... وشتى المصطلحات الداّلة على الاحتفال بالخصوصيّات الثّقافيّة والسّياسيّة.
III تفسير القرآن وتأويله:
انقسم العلماء حول تعريف التّفسير والتّأويل، فريق قال التّفسير والتّأويل أمر واحد، وفريق جعل التّفسير للّفظ، والتّأويل للمعنى.
التفسير في اللغة من الفسر وهو "الإبانة والكشف لمدلول كلام أو لفظ بكلام آخر هو أوضح... عند السّامع" .
استعمل القرآن كلمة التفسير مرة واحدة في الآية: وَلا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْناكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيراً" ، والتفسير هو العلم الذي يبحث عن المعاني المحتملة التي تدل عليها ألفاظ القرآن ومعانيه. وبالتّالي فإنّ التفسير رديف العمل المعجمي الذي يأتي بالمرادف،وبالشّائع من أوجه
استعمال الألفاظ لتقريبها من الأذهان، بقول ابن عاشور:" والتّفسير أول العلوم الإسلاميّة ظهورا، إذ قد ظهر الخوض فيه في عصر النّبي صلّى الله عليه وسلّم، إذ كان بعض أصحابه قد سأل عن بعض معاني القرآن كما سأله عمر رضي الله عنه عن الكلالة، ثمّ اشتهر فيه بعد من الصّحابة علي وابن عبّاس... وكثر الخوض فيه، حين دخل في الإسلام من لم يكن عربي السّجيّة" .
والتأويل في اللغة مأخوذة من الأول، يقال آل الأمر إلى كذا أي صار إليه، فالمؤوّل يبحث عن دلالات المعاني، وظلالها متجاوزا حدود المتاح له معجميّا أو عرفيّا، ليرجعها إلى مدلول اللّفظ أو العبارة، يقول ابن عاشور:" التّأويل صرف اللّفظ عن ظاهر معناه إلى معنى آخر محتمل لدليل" . وقد استعمل القرآن لفظ التّأويل تارة مرادفا للإبانة والتوّضيح:
ـ قال تعالى: "ذلِكَ تَأْوِيلُ ما لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ".
ـ قال تعالى: " وَمَا نَحْنُ بِتَأْوِيلِ الأَحْلامِ بِعَالِمِينَ".
وطورا بمعنى توليد المعاني الخفيّة المنفتحة على احتمال التّقوّل والانحراف:
ـ قال تعالى:" فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ ما تَشابَهَ مِنْهُ ابْتِغاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغاءَ تَأْوِيلِهِ" ، وهو رأي من اعتبر:" التّفسير للمعنى الظّاهر والتّأويل للمتشابه" .
إنّ الفكر الإسلامي يحتاج التّفسير والتّأويل معا، لأنّ التّفسير مطيّة مباشرة إلى معاني القرآن، ودلالات ألفاظه، والتّأويل هو المعبر إلى فتح النصّ القرآني على مجالات إنتاج جديدة للمعرفة، في كنف التّقيّد بما تسمح به حدود اللغة، وضوابط المنطق، ولو قدّر للتّأويل أن يلغى، أو أن يصيّر فرعا من التّفسير لصار النّص القرآني نصّا نافد الطّاقة، عديم الحركة، باهت التّأثير يستوعبه الجهد التّفسيري الواحد والجهدان.
  IVـ من علوم القرآن:
          إنّ انتقال الوحي الإلهي من قرآن أكثره محفوظ في الصّدور، وفي ما تيسّر من محامل وأدوات كتابة... وتتفاعل معه عقول حفظته فهما وتدبّرا ، إلى كتاب بتوجّه لغوي وحيد بعد تنوّع هو أشبه بدستور الدّول وشرائع الأمم، حيث تطلّب تجنيد كفاءات علميّة تخدمه، وتضبط مداخل منهجيّة لتوجيه عمليتي فهمه وإفهامه في إطار مزاوجة بين السّلطتين الرّوحيّة والزّمنيّة، وفي هذا الإطار ظهرت علوم تعرف بعلوم القرآن، وهي ليست من ابتكار مبلّغ الوحي صلّى الله عليه وسلّم، سيّما وقد أشرنا إلى أنّه كان في عهده صلّى الله عليه وسلّم قرآنا وكفى. ومن هذه العلوم:
1 ـ القراءات السّبع / الأحرف السّبع:
        تعدّدت تعريفات دارسي القرآن لمبحثي القراءات السّبع والأحرف السّبع في القرآن الكريم، ومن الضّروري أن نذكّر بأنّ العرب إذا "سبّعت"، بمعنى أطلقت العدد سبعة ومشتقاّته، فإنّها في الغالب تصرفه إلى المجاز، تكنّي به على الكثرة، ولا تطلقه دائما بمعناه الحقيقي، لتقصد به العدد متوسّط العددين 6 و 8، وعليه فإذا قلنا المعلّقات السّبع، أو السّماوات السّبع أو البقرات السّبع، أو السّنبلات السّبع وغيرها... فإنّ ذلك يعني أوّلا وأساسا كثرتها، وفي هذا المعنى استعمل القرآن العدد سبعين في الآية:" إِن تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ"  فهل معنى هذا أنّ الرّسول صلّى الله عليه وسلّم لو استغفر للمشركين إحدى وسبعين مرّة فهل كان ذلك من دواعي المغفرة لهم؟ وعليه فالمراد أنّ قراءات القرآن كثيرة، وحروفه كثيرة.
2 ـ الأحرف السّبع:
        من العلماء من جعل الأحرف والقراءات بمعنى واحد، ومنهم من فصل فصلا كاملا بينهما فاعتبر الأحرف السّبعة، غير القراءات السّبعة، ونحن نرجّح مذهب من فصل بينهما وحجّتنا أن الجمع الثّاني ما تعلّق بإخراج كلمات غير عربية من النّصّ القرآني، بل قلّص من حضور اللّهجات العربية فيه، وغلّب عليها لهجة قريش، يقول الباقلاني:" وأنّ أبيّا وعبد الله بن مسعود لم يطعنا قطّ على مصحف عثمان والجماعة ولا نسباه إلى أنّ فيه تحريفا أو تغييرا وتبديلا، وزيادة ونقصانا... وإن رأيا جواز القراءة بجميع ما انطوى عليه مصحفهما " . وبالتّالي فالأحرف هي لغات أمم عجميّة امتصّ منها القرآن كلمات عديدة، وأدرجها في خطابه، وهذا المنهج فريد في الثّقافة الانسانيّة، وقاعدة تجاوز بها القرآن النّزعات القوميّة الضّيّقة، وتكامل مع أفقه الإنساني، رغم أنّ البعض قد نفوا أن تكون فيه ألفاظ معرّبة، ذكرهم السّيوطي في فصل "فيما وقع فيه بغير لغة العرب"  ، ومن أمثلة الألفاظ المعرّبة:
الطور: سريانية، معناها: الجبل، قال تعالى: "وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ" .
ـ الرقيم: رومية، معناها: اللّوح، قال تعالى:" أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آيَاتِنَا عَجَبًا" .
ـ طه: عبرانية، معناها: طأْ يا رَجُل، قال تعالى :"طه مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى" .
ـ السجل: فارسية، معناها: الكتاب، قال تعالى :" يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ" .
ـ السندس: هندية، الرقيق من الستر، قال تعالى: " يَلْبَسُونَ مِنْ سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُتَقَابِلِينَ" .
ـ السرىُّ: يونانية، معناها: النهر الصغير، قال تعالى:  "أَلَّا تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا" .
ـ الدري: حبشية، معناها: المضيء: قال تعالى: " الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ" .
ـ بطائنها: قبطية، معناها: ظواهرها، قال تعالى: " مُتَّكِئِينَ عَلَى فُرُشٍ بَطَائِنُهَا مِنْ إِسْتَبْرَقٍ" .
ـ حَصَبُ: زنجيّة، معناها: حطب، قال تعالى:" إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ " .
نستنتج من الأمثلة السّابقة:
  أ ـ أنّ القرآن هو الحدث الثّقافي في عصره بهذا التّأليف بين المتنوّع اللغوي والثّقافي.
 ب ـ الأحرف السّبعة كناية على كثرتها، والأمثلة التي عرضناها ليست سوى جزء يسير من عشرات مفردات جرَدها المفسّرون وعلماء القرآن.
ج ـ زادت الألفاظ غير العربيّة القرآن جمالا، ولا يستطيع العقل افتراض قيام أخرى مكانها، وأدائها للمعنى بجزالة وبهاء كما وردت في أصلها الإلهي.
د ـ الأحرف السّبعة مشروع ثقافي كوني قائم على الاعتراف بالتّعدّدية الثّقافيّة، وأنّ الزّهو بفضل العرب والعربية على الغير تجذّر في روح جاهليّة.
          والقرشيّة أنضج اللهجات العربية، وأفصحها، فقد كانت لغة الشّعر "المعلّقات" ولغة التّجارة كذلك، وهي لغة القرآن أيضا، غير أنّ اللغويين قد وقفوا فيها على أثر للهجات غير قرشيّة، وبحثت تلك اللهجات في مبحث القراءات، يقول الفضلي:" القراءة: هي النّطق بألفاظ القرآن الكريم كما نطقها النّبيّ، أو كما نطقت أمامه فأقرّها" ، وهي عند الذّهبي:" مذهب من مذاهب النّطق في القرآن يذهب به إمام من الأئمّة القرّاء مذهبا يخالف غيره".  وقد امتصّ النّص القرآني لهجات عربيّة عديدة لتقريبها من القاعدة الثّقافية المشتركة بين العرب، وهذا الفعل الثّقافي مهاد نفسي لبناء هويّة الأمّة الجديدة، إنّها وحدة لا تحجب التّنوّع، ولا تلغيه، ولا تستأصله، وقد شرعت هذه القراءات المتعدّدة بعاملين أساسيين:
أ ـ اعتراف الرّسول صلى الله عليه وسلّم بها، فعن عبد الله بن عبّاس أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلّم قال:" أقرئني جبريل على حرف فراجعته، فلم أزل أستزيده ويزيدني حتى انتهى إلى سبعة أحرف" ، والحرف في الحديث رديف اللّهجة، كذا ورد في كتاب النّشر للدّمشقي:" فأمّا سبب وروده على سبعة أحرف فللتّخفيف على هذه الأمّة" ، وليس الحرف في الحديث رديف لغة أمّة أخرى، لأنّه لا يكون تخفيفٌ بإيراد من الألفاظ الغريبة عن مألوف العرب في لغتهم، يقول الرّسول صلى الله عليه وسلّم:" إنّ هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف فأقرأوا ما تيسّر منها" .
ب ـ قابليّة النّص القرآني إلى إمكانية قراءة ونطق مختلفة بسبب غياب الاعجام (التّنقيط)، والشّكل منه، ومثاله أن كلمة (سعر) تقرآ (شعر) أيضا، وإذا زدنا الشّكل تزيد احتمالات القراءة، ويتنوّع المعنى (شِعْرٌ / شَعُرَ / شَعْرٌ)، وأوّل من أعجم القرآن وشكله النّحوي أبو الأسود الدّؤلي.
   ومن الأمثلة التي تضرب لبيان تعدّد القراءات، حسب الباقلاني :
أ ـ  اختلاف في القراءة بالتّقديم والتأخير نحو قوله تعالى : " وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقّ"  / (وجاءت سكرة الحقّ بالموت).
ب ـ  اختلاف بالزّيادة والنّقصان نحو قوله تعالى : " وَمَا عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ"  / (وما عملت).
ج ـ  اختلاف في صورة اللّفظ ومعناه، نحو قوله تعالى : " وَطَلْحٍ مَّنضُودٍ"  / (طلعٍ).
د ـ اختلاف في حروف الكلمة بما يغيّر معناها ولفظها من السّماع، ولا يغير صورتها في الكتاب، نحو: " وَانظُرْ إِلَى الْعِظَامِ كَيْفَ نُنشِزُهَا "  / (نُنشِرُهَا).
ه ـ  اختلاف في بناء الكلمة وصورتها بما لا يزيلها في الكتاب ولا يغير معناها، نحو قوله تعالى : " وَهَلْ نُجَازِي إِلَّا الْكَفُورَ"  / (يُجاَزَى).
و ـ  اختلاف بما يغيّر الصّورة، ولا يغيّر المعنى، نحو قوله تعالى : " وَهَلْ نُجَازِي إِلَّا الْكَفُورَ"  / (يُجاَزَى).
ز ـ اختلاف في بناء الكلمة وصورتها بما لا يزيلها في الكتاب ولا يغير معناها، نحو قوله تعالى: " وَهَلْ نُجَازِي إِلَّا الْكَفُورَ"  / (يُجاَزَى).                                            
ومن أمثلة استدعاء اللّهجات العربيّة في آي القرآن، والمدرجة في مبحث القراءات :
﴿ حصرت ﴾ يعني ضاقت بلغة أهل اليمامة .
﴿ اجتبيتها ﴾ أتيتها بلغة ثقيف.
﴿ و ما يعزب عن ربك ﴾ و ما يغيب بلغة كنانة  .
﴿ موئلا ﴾ ملجأ بلغة كنانة.
﴿ خرجا ﴾ بغير ألف جعلا بلغة حمير خراجا بلغة قريش.  
﴿ واقصد في مشيك ﴾ أسرع بلغة هذيل.
 ﴿ متنا ﴾ بالكسر لغة الحجاز , و متنا بالضم لغة تميم.
﴿كمثل الذي ينعق ﴾ يعني يصيح بلغة طيء.
         ثمّ إنّ مبحث القراءات ينفتح أيضا على تنوّع قراءات القرآن، وقد تتبّع الذّهبي سلسلة القرّاء فقسّمهم تاريخيّا إلى سبع عشرة طبقة (17)، ومجموع القراء فيها ( 1134 قارئا) ، ثمّ صار عددهم عند ابن الجزري 3955 قارئا ،  وهذا العدد من القرّاء ضخم جدّا تعاظم عبر التّاريخ، في حين أنّ الذّهبي أنّ عدد القراء من الصّحابة كانوا سبعة فقط، وهم عثمان وعلي وأبي وابن مسعود، وزيد بن ثابت، وأبو موسى الأشعري وأبو الدّرداء ، وهذا مظهر آخر من مظاهر انتقال الوحي من قرآن إلى كتاب، حيث صارت القراءة كما التّفسير صناعة أو مصعدا اجتماعيّا، وعندما تنتشر القراءة في رقعة جغرافيّة تصبح ثقافة مميّزة لها عن غيرها، مثل تنوّع المذاهب الكلاميّة، أو المذاهب الفقهيّة...  
 القراءات المعتدّ بها لدى عموم المسلمين عشر، والموصولة بمسانيدها إلى الصّحابة الذي عرضوا العرضة الأخيرة على الرّسول صلّى الله عليه وسلم، وهي:
 عبد الله بن كثير المكي ( ت 120ه)، وعنه أخذ البزّي والمخزومي.
 عبد الله بن عامر الشّامي (ت 118ه)، وعنه أخذ ابن عمّار وابن ذكوان.
 عاصم ابن أبي النّجود الكوفي (ت 127ه)، وعنه أخذ شعبة وحفص.
 أبو عمرو بن العلاء البصري (ت 154ه)، وعنه أخذ حفص ويحي.
 حمزة بن حبيب الكوفي (ت156ه)، وعنه أخذ خلف وخلاد.
 نافع بن عبد الرحمن المدني (169ه)، وعنه أخذ  قالون وورش.
 أبو الحسن علي الكسائي (ت 189ه)، وعنه أخذ الليث وحفص الدوري.
 أبو جعفر يزيد المدني (ت 130ه)، وعنه أخذ ابن وردان وابن مسلم.
 يعقوب ابن إسحاق الحضرمي (ت 205ه)، وعنه أخذ رويس وروح.
 خلف بن هشام البزار البغدادي (229ه)، وعنه أخذ إسحاق وإدريس.
         إنّ مبحثي الأحرف والقراءات يقدّمان لنا القرآن خطابا يتجاوز نفسه، ويتجاوز بيئته حاضنة تنزّله، ليرسم عبر زُخرف الكلمات البديع مشهدا راقيا يتجاوز الأطر الضيّقة، ويشرّع للتّنوّع اللّغوي والفكري والثّقافي في أرقى صوره وأنضجها، وهو المقدّمة الأساسيّة لتكريس سائر الحقوق المدنيّة والاجتماعيّة والاقتصاديّة والسّياسيّة، وكما أنّ الطّغاة يعمدون أوّلا إلى طمس الهويّات الثّقافية قبل استعباد الشّعوب، والاستحواذ على مقدّراتها، فإنّ الإسلام يجذّر التّعايش والتّكريم بحفظ الهويّات، وغرسها في نصّه كي تنبت تاليا تنوّعا اجتماعيّا، وتعدّديّة ثقافيّة وسياسيّة.
         
3 ـ أوّل ما نزل من القرآن الكريم وآخر ما نزل منه:
حصل خلاف بين العلماء في تحديد أوّل ما نزل من القرآن وآخر من نزل منه أقوالا :
 أ ـ أوّل ما نزل:
 الآيات الخمس الأولى من سورة العلق:" اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ{1} خَلَقَ الْإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ{2} اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ{3} الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ{4} عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَم" .
 الآيات السّبع الأولى من سورة المدّثّر:" يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ (1) قُمْ فَأَنْذِرْ (2) وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ (3 وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ (4) وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ (5) وَلَا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ (6) وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ (7) " .
                                                                                         
ب ـ آخر ما نزل:
o قول الله تعالى:" يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ" .
o قول الله تعالى:" وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ۖ ثُمَّ تُوَفَّىٰ كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ " .
o قول الله تعالى:" لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ" .
إنّ اختلاف الباحثين في تحديد أوّل ما نزل من القرآن الكريم وآخر ما نزل منه، كاختلافهم في تحديد مدّة تنزّله، مسألة تحسينيّة لا يتوقّف عليها تفسير معنى، أو استنباط مقصد أو حكم شرعي، ولكنّه يخدم رؤيتنا في الفصل بين القرآن والكتاب التي أثرناها سابقا.
4 ـ القرآن المكّي والقرآن المدني:

القرآن المكّي هو ما نزل قبل الهجرة، وما نزل بعدها فمدني.
أ ـ من خصائص القرآن المكّي:
        ـ تركيز مواضيعه على العقيدة خاصّة، وذكر مسائل متعلّقة بالتّوحيد، وبالبعث والجزاء...
       ـ قصر سوره وآياته، لتتناسب مع ظروف التّلقّي، وظروف الدّعوة.
      ـ التّوجّه في الخطاب إلى النّاس كافّة :"يا أيها النّاس".
     ـ كثافة الإيقاع في القرآن المكّي، يبدأ الإيقاع في مكوّنات ألفاظ تتناسب الحروف فيها، وتتجاور تجاورا يحدث إيقاعا لافتا، وخادما للمعنى، يقول الجودي:" إنّ النّسق القرآني قد جمع مزايا النّثر والشّعر جميعا... أخذ من الشّعر الموسيقا الدّاخليّة، والفواصل المتقاربة في الوزن التي تغني عن التّفاعيل، والتّقفية المتقاربة التي تغني عن القوافي".  
          وأكثر أنماط الموسيقى ظهورا في القرآن المكّي فواصل آياته، إذ بينها تناسب عجيب، ومن يتأمّل تكرّر حرف الرّاء في فواصل آيات سورة المدّثر، ووقف عندها في التلاوة بصوت مسمع، للاحظ كيف يرقص طرف اللّسان في قرع حرف الرّاء السّاكنة، كمن يحرّك بيده متدثّرا في الواقع يستحثّه على النّهوض " يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ (1) قُمْ فَأَنْذِرْ (2) وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ (3) وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ (4) وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ (5) وَلَا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ (6) وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ (7) " . وفي سياق السّجال مع النّظم اللّغويّة القائمة، فإنّ الفاصلة في القرآن تشبه السّجع في النّثر، والقافية في الشّعر.

ب ـ من خصائص القرآن المدني:
        ـ تركيز مواضيعه على الشّريعة والحدود والقواعد المنظّمة للمعاملات المختلفة، وهي من حاجيات الدّولة النّاشئة...
       ـ طول سوره وآياته، لتناسب ظروف التّلقّي، وظروف الدّعوة، حيث سمح البعد عن كيد المشركين بأن يكون للقرآن مجال كاف للتلقّي وللبثّ أيضا.
      ـ الخطاب موجّه إلى المؤمنين ككيان اجتماعي وسياسي ناشىء، وبهويّة مستقلّة:"يا أيها المؤمنون / يا أيها الذين آمنوا / يا أهل الكتاب «.
      ـ ذكر أخبار النّفاق والمنافقين.
     ـ التّركيز على مضمون قيمي وأخلاقي وتشريعي... على حساب الإيقاع لاكتمال الهويّة الثّقافيّة القرآنيّة، واستوائها على سائر المرجعيّات الثّقافيّة.
5 ـ من فوائد علم المكّي والمدني:
ـ التّمييز بين النّاسخ والمنسوخ في آيات الأحكام.
          ـ تمعّن الخصائص الأسلوبيّة في الطّورين.
        ـ تعرّف خصائص مرحلة الدّعوة بما فيها تأسيس للأفكار والمعتقدات، ورسم لمسالك التّعاطي مع إكراهات مرحلة الدّولة، واستحقاقاتها المختلفة مثل تشريعات تخصّ الأقليّات الدّينية والعرقية، وقواعد تسيير الدّولة في حال السّلم، وفي حال الحرب...
6 ـ أسباب النّزول:
ـ القرآن الكريم من حيث النُّزولُ نوعان:
 ما نزل ابتداء: معناه غير مبني على أسباب مباشرة، وهو أكثر القرآن.

 ما نزل لسبب:
     هو القرآن الذي نزل جوابا عن أسئلة، أو بيانا لحكم وقائع وأحداث، وأسباب النّزول تنقل عن الصّحابة الذين عاينوا الوقائع، أو شهدوا نزول قرآن فيها، وليست تنال تفكّرا أو تدبّرا أو بحثا، وعلى ذلك فلا يدخل في أسباب النّزول قصص الأنبياء، وأحوالهم مع أممهم، أو بعض الحوادث التّاريخيّة الي قصّها القرآن كسورة "الفيل" مثلاً، أو أهل الكهف وغر ذلك من الأخبار... يقول الواحدي:" ولا يحلّ القول في أسباب نزول الكتاب، إلا بالرّواية والسّماع ممّن شاهدوا التّنزيل ووقفوا على الأسباب" . ومع فإنّ كثيرين أسرفوا في التّصنيف فيه، حتّى ذهب إفراطهم فيه بالقصد منه.      
من ضوابط هذا المبحث القاعدة:" العبرة بعموم اللّفظ لا بخصوص السّبب"، ومرادهم منها سريان عموم الحكم أو المعنى الذي في الآية على ما يناسبه من وقائع، ولا حجّة لمن يوقف العمل بآية بدعوى أنّها نزلت في كذا، وقد اشترط ابن عربي للاعتداد بالسّبب ورود اللّفظ القرآني عاما وغامضا بحيث يكون السّبب هو المبين له والموضّح، فقال:" ألاّ يعرف المراد منه إلا بعد معرفة سببه" .
   7 ـ  النّاسخ والمنسوخ:
ـ النّسخ هو إزالة حكم شرعي، وإحلال حكم شرعيّ آخر مكانه، ويسمّى الحكم المتقدّم ناسخا، والمتأخّر منسوخا، والنّسخ يتعلّق بحكم الآية فقط، ولا تزال من المصحف، وتستمر تلاوتها، والتعبّد بها، وعليه، فإنّ النّسخ يتعلّق بآيات الأحكام دون سواها.
ينسخ القرآن القران وينسخ السّنّة، وتنسخ السنّة السّنة، ولكنّها لا تنسخ القرآن، ومثال آية منسوخة: قال تعالى:" وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ ، نسختها الآية، قال تعالى:" وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ" .
مثال آية منسوخة أولا، قال تعالى:" يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ ۖ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا" ، ومثال آية منسوخة ثانيا، قال تعالى:" يا أَيُّها الَّذينَ آَمَنوا لا تَقرَبوا الصَلاةَ وَأَنتُم سُكارى" ، والآيتان السّابقتان منسوختان بالآية، قال تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنْصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ"  .
لقد أسيء فيهم النّسخ في القرآن من وجوه:
     ـ رأى فيه مشركون ارتباكا، وتردّدا سيّما عند مقارنته بكتب سماويّة (التوراة والانجيل) ليس فيها نسخ.
    ـ ترى فيه الذّهنيّة الاسلاميّة التقليديّة، والممتدّة إلينا من عصر التّدوين حدثا فريدا في تاريخ الوحي، وبالتّالي قصرت كل جهدها في بيان الحكم العديدة منه في علاقته بالنّبي صلّى الله عليه وسلّم، والتّدرّج في إصلاح مجتمع البعثة، والتّيسير على عرب القرن السّابع ميلاديّة في الانتقال التّدريجي والمرحلي من شريعة الجاهليّة إلى شريعة الإسلام.
إنّ هذه الذّهنيّة التّقليديّة بمنهجها التّراثي اللاتاريخي تسجن القرآن من حيث لا تعلم في عصر تنزّله، وتفصل بيننا وبينه بشكل كامل، ولإحكام صلتنا بالقرآن ـ رغم أنف الارثيين، نقول إنّ النّسخ وأسباب النّزول والتّنجيم صور مختلفة لجوهر واحد، هو الاعتراف بتاريخيّة الخطاب القرآني، وأنّه خطاب لا يقدّم جاهزا، بل يتثاقف، ويستحث حملته على التّفاعل.
V ـ خاتمة:
ـ القرآن نصّ مفتوج على مطلق في كل شيء، ومجال معرفة غير محدودة، لا يحتويه تفسير أو تأويل، ولا تحيط بأسراره قراءات أو أحرف، وإعجازه مفرد بصيغة الجمع كما يقول أدونيس، نصّ سيعود بكرا لخالقه كيوم نزل، كذا في الوعد النّبوي، وعليه فلا خوف عن القرآن من أي منهج حديث طالما كان هذا المنهج طالبا حقيقة، وحاملا رسالة.
****
هوامش الدّرس في صفحة مستقلة بسبب إكراهات فنيّة.
عمر الهرهوري
عمر الهرهوري
المدير والمشرف
المدير والمشرف

المساهمات : 84
نقاط : 259
تاريخ التسجيل : 26/09/2017
العمر : 58
الموقع : منتدى منوع

https://adhia.yoo7.com

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى